لم أدرك حينها أنه دم ابن عمي

أمل (32 عاماً) امرأة من ريف حماة الشمالي أنجبت طفلها الرابع بعد أيام من خروج أول مظاهرة سلمية في بلدتها، وتقول: “كنت أعمل في روضة أطفال لمساعدة زوجي الموظف الحكومي الفقير، وكنت أخرج في المظاهرات، بل أقودها، بموافقته”.
ذات ليلة، طرق أحد ما باب المنزل، فلم توقظ أمل زوجها، بل أسرعت نحو الباب وسألت: من الطارق؟ فأجابها بأنه فلان ومعه زوجته، فاستغربت أمل لأن ذلك الرجل لم يزرهم منذ مدة طويلة، ثم فتحت الباب وإذ برجال مسلحين ملثمين مرعبين.
حاولت أمل إغلاق الباب فوضعوا السلاح في رأسها قائلين: “ولا كلمة ولا حرف وإلا أطلقنا النار عليك”.
ثم دخلوا إلى غرفة النوم، وركلوا الزوج، فاستيقظ مرعوباً وسألهم: “من أنتم؟ وماذا تريدون؟”. أجابوه: “لا تصدر صوتاً وتعال معنا”.
استيقظ الأطفال مرعوبين، واحتارت أمل بين أطفالها وزوجها، وحاول الجيران المساعدة، وحاول المسلحون منعهم.
وتشرح أمل: “دخل زوجي إلى غرفة أخيه، لحقوا به، وبينما كانوا يحاولون خلع الباب تملكتني القوة ووقفت في وجههم وصرخت: أليس لديكم أعراض؟ هنا صبايا نائمات. ألا تخافون الله؟ ماذا فعل زوجي؟ لماذا تفعلون هذا؟ من أنتم؟”.
نظر الملثمون إلى أمل حاقدين وانصرفوا.
وفي الصباح اتصل الزوج بمدير عمله وشرح له الأمر وحصل على إجازة مرضية، وبقي في المنزل نصف شهر، ثم عاد إلى العمل والخوف لا يفارقه.
وبعد شهور، وفي مساء يوم ربيعي دافئ، اتصل أحد ما بالزوج، ثم خرج من البيت مسرعاً.
بعد نحو ساعة بدأ ينتشر خبر اختطافه من قبل مسلحين.
أدركت أمل أن تلك المكالمة كانت مدبرة له. وعلمت أنه قاوم الخاطفين فضربوه حتى أغمي عليه، ثم حملوه في سيارة. واتصلت بالأهل والأقرباء، وبدأ البحث والتحري عن الزوج دون جدوى.
وتقول أمل: “يومان لم ننم، لا جلوس لا وقوف لا طعام، لا شيء سوى البكاء والدعاء، وفي اليوم الثالث، وبينما كنا جالسين بعد العصر نسأل الله الفرج، وإذ بباب المنزل يطرق بقوة”.
فتحت الزوجة الخائفة الباب، وإذ بأحد أقرباء الزوج ملهوفاً بثياب عليها دم، وخلفه حشد من الرجال يحملون رجلاً.
تساءلت أمل عما يجري، وتقول: “لم أدرك حينها أن ذلك الرجل المقتول المحمول هو زوجي. لم أدرك أن الدم على ثياب الحاملين هو دم زوجي”.
لم تدرك ولم تشعر بشيء سوى بابنة عمها توقظها من الإغماء.
تتنهد أمل وتتذكر: “امتلأ المنزل بالباكين والباكيات، الكل يعزي ويصبّر ذلك الجسد الذي هو لي”.
بدأت الزوجة المفجوعة تستوعب الأمر، وساعدت في تغسيل الزوج وتكفينه، وتقول: “سخنت الماء، وجلبت المناشف النظيفة، زوجي كان أنيقاً مرتباً استحق أجمل الأكفان”.
اختنقت الدموع في عيون أمل، أصرت على حبسها، تظاهرت بالقوة وقالت: “لن تسقط مني دمعة، لأني قتلت حين قتل زوجي”.
ياسمين حمود

اترك تعليقاً