أعجوبة النجاة من زواج وهمي

حين تولد الحياة من صلب الموت، نتعلم أن نصبر على كل الظروف مهما كانت صعبةً وقاسية، وتحمل في طياتها الكثير من المعاناة والألم.

وهذا ما حصل مع ضحية من ضحايا الواقع المر الذي تعيشه الفتيات السوريات، من مستقبل مجهول على كافة الأصعدة.

عفاف (21) سنة عندما كنت في السنة الثالثة في الجامعة تخصص أدب انكليزي. وكأي فتاة تطمح لإكمال دراستها والتخرج بشهادة جامعية ، ليفتح  المجال أمامها للعمل سواءٌ بالتدريس أو التدريب أو أي عمل آخر، لكن في واقع الأمر ما خططت له للمستقبل لم يكن كما رغبت، ببساطة وضع عائلتي ووالدي المريض والمقعد لا يحتمل مزاولتي للدراسة ،ولا يختلف عن النسبة التي لا يستهان بها في سوريا ألا وهي سوء الوضع المادي المتدني والذي أصبح الداء المستفحل في هذه المرحلة عند الكثيرين، ما أجبر والداي على تزويجي لأول شاب يتقدم لخطبتي  برغم رفضي المستمر، وعدم القناعة حالياً بهذا الموضوع، وأني لم أشعر بقدوم الوقت المناسب، ومع استمرار الضغوط المتكررة من طرف عائلتي ورغبتهم الشديدة بتزويجي اعتقاداً منهم أني سأكون بحالٍ أفضل خضعت لرغبتهم وقبلت بالفكرة، وخاصة بعد كل تلك الإغراءات والوعود الواهمة من طرف أهل الشاب، وأولها السماح بإكمال دراستي الجامعية ،أما عن عمل الشاب فأخبرونا أنه يعمل موظف بالاتصالات في وسط دمشق، هنا بدء التجهيز لمراسم الخطوبة بأسرع ما يمكن، وبعدها بأسبوع تم الزفاف  ولم يتسنى لنا الاستفسار جيداً عن أصول العائلة والشاب، بسبب سرعتهم للتحضيرات .

قضي الأمر وتم الزواج، وبعد يومين تجهزنا للرحيل إلى الشام حيث مكان السكن والوظيفة المزعومة، وهنا كانت الصاعقة الكبرى في حياتي حيث ما علمت به لم يكن في الحسبان، وهو أن من تزوجته يعمل لدى صفوف النظام، وكنفي الزوجية في قعر مساكن الضباط بقطنا بريف دمشق.

انقلبت حياتي جذرياً لدرجة أنه طلب مني نزع الحجاب، والتخلي عن حشمتي وحيائي و التماشي مع الوضع هناك، ما دفعني في بعض الأحيان للتفكير بالانتحار على أن أترك ديني وشرفي وأخلاقي، لم أشعر بالأمان لحظة واحدة فالخوف كان سيد الموقف، وعيناي لم تتوقف عن ذرف الدموع وبشكل كثيف، وأحسست أني في سجن عنوانه “الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود” ,التجأت للصلاة والدعاء في كل يوم حيث وجدت فيهما الصبر والسلوان وبقيت على هذه الحالة (25) يوماً، وكان اليوم الواحد يعادل السنة، وبعد تفكير مطول قررت الهرب وبأي ثمن  حيث لا مجال للاستسلام، ولكن كان يجب إقناعه بالسماح لي بالذهاب للجامعة، أجريت اتصالات عديدة مع أهل زوجي لأخبرهم  بأن شرطي الأساسي لم ينفذ، وهو إكمالي للدراسة  فتحدثوا مع ولدهم وطلبوا منه ألا يمنعني من الذهاب للجامعة في مدينة حماة، حيث كانت فرصتي الذهبية للهروب دون العودة لذاك السجن المظلم، فوافق وبعد وصولي المدينة التقيت بصديقاتي في الجامعة وأخبرتهن بكل ما حصل، فلم يتوانين عن تقديم المساعدة وقدمن لي كل ما أحتاجه من دعم في كافة النواحي، وبدأت بمحاولة التواصل مع أحد أعضاء المحكمة الشرعية بدار القضاء ومقره ريف ادلب، لرفع دعوى الطلاق حيث رفضت العودة إلى قريتي إلى حين يتم الطلاق، و هنا انتهت القضية لصالحي وتحررت من ذاك السجن بأعجوبة، وشعرت بأن أثقل حمل على صدري قد زال، وردت الروح إلى الجسد الميت كما لو أنك وصلت إلى شاطئ النجاة بعد الغرق المحتم، فمع الإرادة والأمل ليس هناك مستحيل .

 بقلم: نوران محمد

اترك تعليقاً