تعاني المرأة السورية في ظل هذه الحرب القاسية من مشاكل ومصاعب، يصعب على غيرها تحملها، لقد أثبتت الثورة السورية أن المرأة السورية هي من أعظم النساء، الأم الممرضة المربية المعيل والسند. وفي أثناء زيادة لبعض العائلات وأهلنا الذين هُجّروا من الغوطة في الفترة الأخيرة. في إحدى مناطق المعرة كانت تقف الطفلة “سندس” ذات الأعوام التسعة على باب منزل سكنوا فيه مجدداً، سندس حالها كحال جميع أهل بلدتها المهجرين من الغوطة. طفلة حرمت الكثير من حقوقها وربما جميعها. ببراءة وجهها الطفولي، ولون عيونها الاخضر الذي يشبه أشجار الغوطة، وبابتسامة تخفي ألماً يعجز الكبار عن حمله، قالت سندس: “خالي هون في أربعة رجليهن مقطّعة” أربعة من عائلة واحدة. توقف الزمن بي للحظة وأنا انظر لوجه هذه الطفلة الملائكي وهي تستدير لتدخل على أهلها لتعلمهم بقدومنا. ومع استدارتها عاد الزمن ووقف ألف مرة ولم أستطع أن أخفي أو اكبت دموعي. كانت سندس ترتدي سترة كأي طفل لكن عند استدارتها اظهرت أحد اكمامها بلا ذراع. هذه الطفلة التي تدعونا لمشاهدة ورؤية أهلها المقطعي الأرجل كانت مقطوعة اليد.
سندس لم تُقطع يدها لأنها سارقة أو لأنها مجرمة. قطعت يدها فقط لأنها سورية ومن الغوطة من حموريه التي طالبت بالحرية.
وبعد ان استجمعت ما تبقى من قواي دخلت مع صديقتي إلى تلك الغرفة التي تسكن فيها سندس مع أهلها وأقاربها. فعلاً أربعة من عائلتها قد قطع الطيران اطرافهم. غير الذين استشهدوا في تلك الغارة التي استهدفت بيتهم في حموريه.
أم سندس التي رفضت ان تعطينا اسمها خوفاً على بعض اقربائها الذين لا يزالون في مناطق النظام تقول: “لله الحمد، حالتنا هذه كمئات او آلاف الحالات، ولن أتخلى عن اسرتي وعائلتي. ولا عن رعايتهم ما حييت”.
خرجنا من بيت سندس والألم يعتصر قلوبنا متجهين إلى منزل لعائلة أخرى أيضاً من حموريه، قد اعلمتنا أم سندس عنهم. أم حسين (57عام) رفضت أيضاً أن تعطينا اسمها لنفس السبب. كان في بيت أم حسين أربعة أطفال، أكبرهم لم يتجاوز الأربع سنوات. وحين سألناها قالت: “هذان الطفلان أولاد المرحوم ابني. وتزوجت والدتهم منذ سنة تقريباً وأنا أربي الأطفال. أما هاذين الطفلين فهم أولاد ابنتي، استشهد والدهم ثم تزوجت امهم ايضاً وتركت اولادها لي”.
أما السيدة فاطمة (34عام) فكانت في المسجد الكبير في معرة النعمان مع اسرتها، حالها أفضل من غيرها، فهي لم تفقد أحداً من اسرتها، ولكن جميع اطفالها يعانون من فقر حاد بالدم. وحين كانت المنظمات تقدم لهم المساعدة الطبية والأدوية رفضت فاطمة أن تأخذ “الفيتامينات” لتعطيها لأطفالها.
تفاجئ الجميع بذلك لدى سؤالها عن السبب قالت: “الفيتامينات هي مقوية لكنها تفتح الشهية، سيبكي أولادي بعد أن اعطيهم إياها، سيجوعون ولن يكفيهم رغيف خبز ليسكتوا فيها جوعهم”.
عانت هذه الناس كثيراً حتى باتت تخاف من بكاء طفل جائع لا يجد كسرة خبز. وكم مرت عليهم أيام وليالي يتألمون من بكاء اطفالهم الجائعة ولا حول لهم ولا قوة.
سناء العلي
مزايا