معالي السيدة فريدريكا موغيريني، الممثلة السامية لشؤون الأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوربي،
معالي السيدات/ السادة الوزراء
أصحاب السادة السفراء
أيتها السيدات أيها السادة؛
أتقدم لكم بالشكر لدعوتكم الكريمة هذه التي أتاحت لي الفرصة كي أنقل صوت النساء السوريات، لمحفلكم الكريم هذا؛
وهو أمر بقدر ما هو مشرف لي، ما هو مسؤولية هائلة تقع على عاتقي بأن أتمكن حقاً من إسماع صوت بعض النساء السوريات إلى العالم؛
ما زلت اذكر حتى هذه اللحظة يوم وقفت في بلدتي كفرنبل، في يوم ما من العام 2013 على طاولة صغيرة في قبو حيطانه غير مدهونة ولا يصلح للحياة، مليء بنساء من مختلف الاعمار جئن لحضور تدريب على تصفيف الشعر كنا أعلنا عنه سابقا.
كان المشهد مهيبا بالنسبة لي، فرغم كل ظروف الواقع المرير والقصف ونقص الخدمات، حضرن ليتعلمن ويحصلن على فرصة جديدة في الحياة.
في تلك اللحظة،
رأيت بعيني القوة المجتمعية أمامي وعلمت أنه من غير الممكن التراجع بعد الآن وانطلقت يدا بيد مع نساء قريتي لنؤسس مركز مزايا.
نحن كنساء سوريات لا نملك سوى أصواتنا.
نحن مؤمنات بالحرية والعدالة والمساواة، ونطمح لمستقبل أفضل لأولادنا، ونستهلك صوتناً يومياً لندافع عما تبقى لنا من حيّز بسيط جداً، بالكاد يكفي ليحمي وجودنا،
في عالم يعتبر حتى هذا الحيّز الضئيل، ترفاً.
نحن نساء إدلب على الأقل، إن لم أعتمد وأتحدث عن نساء سورية، تكافح على كل الجبهات، ولا تملك حتى مساحة للحزن نرثي فيها أحباءنا،
فلا تنتهي من وداع أحدهم، حتى نودع آخر؛
نحن لا نملك ترف بكائهم كما نرغب، ولا أن نثكلهم كما نرغب.
لسنا محاصرين فقط بالموت والرعب، ولكن بالتخلف والظلامية والذكورة والاستعلاء، وسعينا للحرية لا يقتصر على مقاومة نظام مجرم، منتهك لأبسط حقوق الإنسان؛ بل أيضا لمجتمع أبوي، تعاني منه كما أعتقد الغالبية العظمى من نساء العالم؛
تخيلوا معي عالما كهذا، تكافح فيه النساء، ليس فقط للبقاء، وإنما للمشاركة والمعرفة والعمل، يتحدين ظروف الحرب والمجتمع ويأتين للمشاركة في الدروس والتدريبات، وفي الأعمال التطوعية الاجتماعية، وفي جلسات النقاش في المكتبة، وفي المظاهرات، وفي المشافي والمدارس، وفي المجالس المحلية، وفي كل مكان.
تخيلوا معي أن هذا يحصل في مكان صغير في بلادكم،
وأنه رغم الحرب والدمار، اختارت مجموعات واسعة من النساء أن تستمر بالعمل.
في ظل هذه الظروف نعمل، ولم نتوقف يوما؛
لقد أصبحنا بحكم الواقع مسعفات، وممرضات، ومعلمات وصاحبات خبرة بالدعم النفسي، وصاحبات مهن، وقائدات وفاعلات في مجتمعاتنا،
بل حتى اننا اكتسبنا جميعنا خبرة بأنواع وصنوف الأسلحة والذخائر، وبتنا نميز صوت القذيفة من الصاروخ، من القنبلة، من البرميل؛ لا بل نستطيع أت نحدد نوع الطائرة من صوتها،
نحن فخورات بأننا جاهزات للخوض في كل المجالات.
من هذا الواقع بدأنا ضمن منظمة مزايا، بصقل ما سبق وذكرته لكم من مهارات، وبدأنا بتنظيم دورات تدريبية، تساعدنا على التكيف مع واقعنا الجديد، وتمدنا بأدوات نحن بأمس الحاجة إليها لتغيير هذا الواقع.
لم نفقد الأمل يوماً،
نعم نتعب، نغضب، نيأس قليلاً
لكن حب الحياة غالب فينا،
ونسعى جهدنا لنؤسس مستقبلاً، لا محرمات فيه على المرأة، بل خيارات واسعة تسمح لها بأن تكوّن ربة منزل أو أن تكون عالمة فيزياء إن شاءت؛
لم تقتصر هذه الجهود علينا وحدنا، علمت بنشاطنا نساء سوريات عديدات في داخل وخارج البلاد، تواصلن معنا سواء بزيارتنا في مراكزنا، أو عبر وسائل التواصل وقدمن جميعهن مساعداتهن بإخلاص.
العديد من المبادرات ظهرت في كل مكان في سورية وكأن النساء كن يستجبن لبعضهن بعضاً، مؤمنات بقدرتهن على القيادة والتغيير.
آمنا جميعاً أننا مستقبل بلادنا، وأننا مستقبل العالم
نقلنا المعرفة والخبرات من جيل إلى جيل ونجحنا خلال السنوات الماضية برفع كفاءة وسوية عدد كبير من النساء وبمختلف المجالات،
ساعدنا نساء كثيرات على ان يصبحن مستقلات اقتصادياً، وان يتابعن تعليمهن، وأن يقدمن الخير لمجتمعاتهن،
أن يكافحن ضد الزواج المبكر، والانتهاكات، وتجنيد الأطفال،
أن يناصرن قضاياهن وجميع القضايا العادلة،
أن يشاركن في صناعة القرار على كافة المستويات،
علمن شركاءهن في المجتمع أهمية وجودهن وعدم القدرة على الاستغناء عنهن،
اليوم لم يعد بالإمكان التراجع للوراء.
ونحن اليوم نخوض أيضاً غمار السياسة والمفاوضات ولا نألوا جهداً أن نؤمن تعليماً لائقاً لأولادنا.
هذا النجاح ندين بجزء كبير منه للناس الذين آمنو بنا وآزروا جهودنا،
بدءاً برجال وقفوا إلى جانبنا ووعوا أهمية دورنا، متيقنين بأن قوتنا هي قوتهم،
وصولاً إلى متطوعات ومتطوعين قدموا لنا خبراتهم وعلومهم لننمي من قدراتنا،
ومنظمات مجتمع مدني شريكة، ومانحين ساعدونا على أن نتجاوز كل العقبات، كي نستمر بالعمل على بناء حلمنا بمجتمع حر ديمقراطي مبني على حقوق المواطنة، لا تميز فيه بأي شكل من الأشكال، لا على أساس العرق، أو النوع (الجندر)، أو الدين أو الطائفة أو أي شيء أخر.
معالي السيدة موغيريني؛
السيدات والسادة،
أتمنى أن أكون قد استطعت أن أسمعكم صوت النساء السوريات في إدلب نحن نساء نحب الحياة، ولدينا أحلامنا،
أحلامنا التي مازلنا نؤمن أنها ستتحقق،
أحلامنا التي نضعها اليوم بين أيديكم لتساهموا بتحقيقها.
لقد شاهدت الكثير من الخطوط الحمراء التي لم تحترم، ومن القرارات الدولية التي لم تنفذ، والعديد من الوعود التي لم يتم الإيفاء بها، بسبب مصالح وصفقات سياسية قد تكون عقدت على حسابنا.
كما شاهدت أيضاً الكثير من المجازر، ومن التهجير القسري، ومن ضربات الكيماوي، ومن النزوح المتكرر.
الثابت الوحيد على الدوام كان إيمان المجتمع المدني السوري، وعموم السورين، بالقدرة على التغيير والوصول لمستقبل أفضل.
أطلب إليكم اليوم، كقادة ومؤثرين وفاعلين في هذا العالم، أن تبذلوا بالغ جهودكم لحماية المدنيين في بلادي، وحماية مساحة العمل المدني بما يتضمنه جهود النساء في القيادة والتغيير.
هذه المساحة التي تزداد ضيقا وتهديدا وجوديا كل يوم، وتحتاج أكثر من أي وقت مضى لدعم
الجميع.
إن العمل المدني في ظروف الحرب والتجاذبات السياسية التي نعيشها، يكاد يكون الضامن الوحيد لسلام مستدام في سوريا والمنطقة ككل.
نتًمنى عليكم أن لا تكونوا سبباً يكتم أخر أنفاسنا بل أن تكونوا عوناً لنا، حتى تتحقق أحلامنا بالحرية والكرامة.
أطلب إليكم أيضاً، لا كنسوية ناشطة بين النساء فقط، بل كامرأة سورية معنية بواقع بلدها وبمستقبل أبنائه، دعم العملية السياسية في سورية لتحقيق انتقال سياسي نحو نظام ديمقراطي يحقق الكرامة والعدل والمساواة لجميع السوريين، ويعوضهم ويعوضنا كنساء سوريات عن الويلات التي عانيناها،
لا سبيل أخر لخلاصنا.
شكرا لكم.
تاريخ الاجتماع 30/3/2019