نسبها: كانت جارية من جواري الملك “نجم الدين الصالح”، لكنّ شجرة الدّر لم تكن كباقي الجاريات، بل تميزت بالذكاء الحاد، والفطنة، والجمال كما أنها نالت الإعجاب بفتنتها وفنها، وكانت متعلمة، تجيد القراءة، والخط، والغناء.
اختلف المؤرخون في تحديد هويتها، فمنهم قال إنها تركية ومنهم قال إنها شركسية أو رومانية.
زواجها: أعجب بها الملك “نجم الدين” واشتراها، ولقبها بشجرة الدر، وحظيت عنده بمنزلة رفيعة، بحيث أصبح لها الحق في أن تكون المالكة الوحيدة لقلبه، وعقله، وصاحبة الرأي، ثم أصبحت الشريكة الشرعية، وأم ولده.
وردت أنباء من القاهرة، لزوجها الأمير “نجم الدين” بأن أباه الملك الكامل قد عين أخاه الصغير أبا بكر الملقب ب (الملك العادل) وليا للعهد بدلا منه، وكانت أمه أقرب الى قلب الملك من أم نجم الدين.
غضب “نجم الدين” من تصرف الملك، وأقسم أن الخلافة لن تكون بعد أبيه لغيره، لأنه أرشد من أخيه، وأحق منه في الخلافة، وكانت شجرة الدر نعم الزوجة فحرصت على دعم زوجها بتشجعيه وتأييده، وساعدته في الوصول إلى حقه المغتصب.
أسر “نجم الدين” وهو في طريقه الى القاهرة ومعه زوجته وابنهما، وبطانته المؤلفة من عشرات الجنود فقط، وبعض المماليك من قبل والي إمارة الكرك والشوبك، وهو ابن عم نجم الدين وهو الملك “الناصر داوود”, واستمر سجنهم سبعة أشهر، أما زوجته شجرة الدر فقد وفرت له كل أسباب الراحة وبثت التفاؤل في نفسه، خلال مدة الأسر.
قامت بوضع خطة مع زوجها، وذلك باتفاق وزوجها مع خصمه الملك “الناصر” على أن يطلق سراح نجم الدين ليستولي على عرش مصر ومن ثم، يقدم له عرش الشام ونصف الخراج. ثم سار الملك الصالح الى القاهرة وهزم أخاه العادل نجم الدين، وأسره في قلعة صلاح الدين، وهكذا بلغت شجرة الدر مرادها حيث قاسمت زوجها المجد والسلطة.
وكانت قادرة على تسيير الجيوش للحرب، وذلك عندما تعرضت مصر لحملة الصليبين، وأثبتت أنها قادرة على مواجهة الصعاب، وأقسمت لزوجها على أن الصلبيين سيقتلون .
وبعد وصول الغزاة إلى مصر عامم1249م، ظهرت حكمة وذكاء شجرة الدر, حيث أخفت نبأ وفاة الملك لعدة أسباب أهمها الخوف من حدوث البلبلة في الدولة, وبخاصة صفوف الجيش, وحتى تتغلب على العدو, وكذلك حتى لا ينصرف اهتمام أمراء بني أيوب والمماليك إلى تولي العرش, وعندما لاحظت شجرة الدر, أن خبر وفاة زوجها أوشك أن ينكشف وأن العدو أيضا على وشك الانهزام, قامت باستدعاء ابن زوجها “توار انشاه” وأمرت رجال الدولة والجيش أن يحلفوا له يمين الولاء, وأن يدعى لها على المنابر, وذلك لتبقى السلطة في يدها, وتعرف أمور الدولة كما تشاء وذلك إن دل فيدل على وذكائها ودهائها .
قامت شجرة الدر بوضع خطة حربية مع القوات، وأمراء المماليك وظلت تشرف على تنفيذها، ومراقبة سير المعركة في المنصورة عن قرب، وبلغ من حماسها أنها كانت تعاون الأهالي مع الجنود في صد هجمات الأعداء، والرد عليهم حتى انتصر المسلمون عام 1250م.
لم يدم حكم “توار نشاه” أكثر من شهرين، وذلك لفساده وطغيانه وقام بإبعاد رجال الدولة الأكفاء، وأخذ يهدد زوجة أبيه شجرة الدر، ولم يكتف بذلك بل قام باستفزاز مماليك البحرية حتى لقي مصرعه على يد “بيبرس”.
وافق الكل في مصر على تولي شجرة الدر العرش، بعد مصرع” توار نشاه” وكان عهدا زاهيا وزاهرا، أظهرت خلاله قدرتها وجدارتها في الحكم، وتنعم الفقراء بحسناتها، إذ كانت ملكة عاقلة لبيبة، على علم تام بنفسية الشعب ومتطلباتهم، لم تكن حكومتها استبدادية، لا تشرع في عمل من الأعمال حتى تعقد مجلس المشاورة، ولا تصدر قرارا إلا بعد أخذ وزرائها ومستشاريها، وقامت بنشر السلام فأمن الناس خلال فترة حكمها.
وهكذا عاشت شجرة الدر مكرمة وجليلة ذات نفوذ وقوة وإن سيرتها مازالت تروى وهناك العديد من النساء من تتمنى أن تقوم بشخصيتها، وخلد التاريخ ذاكرها، وذكر الخدمات التي قدمتها للمسلمين ومصر.
بقلم: نوران المحمد