صحب عائلته إلى مكان انطلاق الباصات الخضر، كان يحمل اثنين من أطفاله، يضمّهم ويشمّهم كلّ الوقت. زوجته تنظر إليه والدموع لم تفارق عيناها. وحين وصولهم قبّل أطفاله، ودّعهم الوداع الأخير ونظر في عينيها وقال لها: “اعتني بأطفالنا” ثم نزلت دمعة ما استطاع أن يحبسها طويلاً.
لم أرى دموعك حين استشهد اخوك ومعه أمك العاجزة بقصف صاروخي، لم أرها حين تهدم بيتنا وبُترت ساق ابننا الأكبر! لم أرى هذي الدموع يوماً رغم القصف والحصار والجوع والموت، الذي لم يبقي أسرة إلا وأخذ منها ما أخذ. أتبكي الآن يا بطلي”، هذه كلمات زوجته التي قالتها وهي تغص بكل الحروف والكلمات..
فردّ عليها: “كنتم معي في تلك المحن، وكنت أعرف أن من يموت منّا سيُدفن هنا في تراب الغوطة. أما الآن فهو الفراق، ستعيشون بعيداً عن الغوطة وهوائها ومائها”.
أجابت: “إذاً دعنا نبقى سويّة نحيا أو نموت معاً”.
“لا أخاف عليكم إن خُذلنا أكثر من الذئاب”.
بكت وبكت وتنهدت وسألته: “إلى أين ترسلنا؟”
فقال: “إلى إخوة أحرار في بقعة تدعى إدلب، إلى أهلنا هناك فأنت أختهم أيضاً”.
ثمّ سكتت الكلمات ودخلت مع أطفالها الباص، وهو يبكي ويلوّح لهم بيده بين ركام وخراب المكان، والباصات تمضي وتخرج من الغوطة.
أهلنا الذين حلّوا ضيوفاً كرام من الغوطة، يا من هُجّرتم من أرضكم وأُخرجتم من دياركم بغير حق، عرضكم وأولادكم وأهلكم أمانة في أعناقنا.
سناء العلي
مزايا