اسمي مها، ولدت في دمشق، نشأت وترعرعت في ظل عائلة متحابة وديموقراطية.
علمني والدي رحمه الله أن أحارب من أجل مبادئي وأن أكون قوية الشخصية سيدة ذاتي وصانعة قراري.
دخلت الجامعة، قسم اللغة العربية، وتعرفت على أصدقاء وصديقات من كل المدن، ثم تزوجت بأحد أقاربي، وهو يعمل برتبة قائد لواء في جيش بشار الأسد. أحببته وأنجبت منه طفلاً ملأ حياتي فرحاً.
أحسست أن الله أنعم علي بكل شيء جميل إلى أن بدأت الثورة السورية.
كنا نسمع عن مظاهرات واعتقالات في بعض المناطق. كان زوجي يقول إنهم مجموعات من العصابات المسلحة يريدون نشر الرعب والإرهاب لزعزعة الداخل السوري، ويصف الثورة بالغزو الخارجي ويقول إنها مؤامرة على سوريا ويجب علينا مواجهتها.
كنت أصدق ما يقول وأتابع الأخبار على التلفزيون السوري إلى أن جاءني اتصال من أحد صديقاتي الجامعيات لتخبرني بأن صديقتنا ثناء قد قطعت يدها وهي تهيئ للسفر اليها مع باقي الصديقات. انضممت إليهن وسافرنا إلى درعا لزيارة ثناء.
أثناء سفرنا فوجئت بحواجز الجيش تنتشر على جميع الطرقات وتقوم بتفتيش السيارات والشاحنات، وفسرت في داخلي بأنها احتياطات أمنية لسلامتنا، لكن كانت صدمتي كبيرة عندما وصلنا إلى درعا ورأيت الخراب والدمار في معظم الأماكن ولم أعرف كيف ولماذا حصل كل هذا.
كانت والدة ثناء وإخوتها في انتظارنا والحزن يملأ وجوههم، ظننت في البداية أنه حزن على يد ثناء المقطوعة.
أخذونا إلى المنزل حيث وجدنا ثناء الجميلة بوجهها الناصع المتألق بيد واحدة. فرحت برؤيتنا وجلسنا جميعا نتناول طعام الغداء، ولم تبد لنا أي انزعاج أو ارتباك كونها تأكل بيد واحدة.
بعد الغداء جلسنا في فناء المنزل نشرب الشاي ونسترجع ذكريات الجامعة ونضحك ولم يبادر أي أحد بسؤال ثناء عن السبب.
ولطبعي الفضولي كنت أنا المبادرة، قلت لها: أكان حادث؟ أجابت مبتسمة: لا، بل بسبب طلقة قناص من الجيش.
لا أدري في هذه اللحظة ما الشعور الذي انتابني ولا الدهشة التي أحسست بها.
تابعت ثناء قائلة: “إننا شعب مسكين، شباب يكرسون نصف حياتهم في الدراسة ولا يجدون فرص عمل، وأطفال لا يمارسون أبسط حق من حقوقهم وهو التعليم بسبب الفقر وسوء المعيشة، حاولنا أن نطالب بالحرية، كتبنا على الجدران، وقمنا بمظاهرات سلمية نطالب بحقوقنا، وكان الرد علينا بالرصاص الحي”.
وأضافت: “كنت أحمل بيدي علم ثورتنا وأصرخ حرية فأصبت بطلقة قناص في يدي فوقع العلم، لكنهم أغبياء يظنون أنهم سيمنعونني من حمل العلم بقطع يدي، سأحمله باليد الأخرى، وإذا قطعت سأحمله بفمي”.
انتابني شعور بالحزن والأسى لما يحل بالشعب السوري وبنفس الوقت شعور بالفخر والاحترام لثناء ولباقي الشباب السوري المضطهد.
أمضينا ثلاثة أيام رأيت خلالها المظاهرات السلمية وهجوم الجيش عليها بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع بغية تفرقتهم وإخافتهم، وحظر التجول وانقطاع الموارد الاساسية والضرورية من حليب أطفال وأدوية وانقطاع الكهرباء والاتصالات.
حين عدت إلى المنزل أخبرت زوجي بما حل بها فقال إنها “تستحق أكثر من ذلك هي ومن مثلها، إنهم إرهابيون مرتزقة ومجرد جراثيم يجب إبادتها”.
فوجئت بأني أرى رجلاً آخر غير الرجل الذي أحببته وانجبت منه، رجلاً أشبه بمجرم حرب أو مصاص دماء، لم أعد أستطيع العيش معه أو النظر إليه، كنت أرى يديه مضرجتان بالدم فقررت الانشقاق عنه وعن عالمه الفاسد.
خططت مع صديقاتي بالترتيب للسفر سراً عبر طريق كان يحميه جيش الثوار، وأخذت ابني معي وانضممنا إلى إخوتنا في درعا نطالب معهم بحقنا المشترك، ألا وهو التخلص من حكم أسدي ظالم غاشم.
إيمان الشيخ